سورة لقمان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً} قرأ حمزة: {ورحمةٌ} بالرفع على الابتداء، أي: هو هدى ورحمة، وقرأ الآخرون بالنصب على الحال {للمحسنين} {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآية. قال الكلبي، ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتّجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشًا، ويقول: إن محمدًا يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملِحُون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: يعني شراء القيان والمغنيين، ووجه الكلام على هذا التأويل: من يشتري ذات لَهْوِ أو ذَا لَهْوِ الحديث. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكي، حدثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا مشعل بن ملحان الطائي، عن مطرح بن يزيد، عن عبد الله بن زجر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن عبد العزيز، عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل تعليم المغنيات ولا يبعهن وأثمانهن حرام»، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية: {ومن الناس من يشتري لَهْوَ الحديث ليُضلَ عن سبيل الله}، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين: أحدهما على هذا المنكب، والآخر على هذا المنكب، فلا يزالانِ يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القفال، أخبرنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجُردي، أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي، أخبرنا محمد بن غالب بن تمام، أخبرنا خالد بن أبي يزيد، عن هشام هو ابن حسان، عن محمد هو ابن سيرين، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة». قال مكحول: من اشترى جارية ضَّرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصلِّ عليه، إن الله يقول: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية. وعن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، وسعيد بن جبير قالوا: {لهو الحديث} هو الغناء، والآية نزلت فيه. ومعنى قوله: {يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أي: يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن، قال أبو الصباء البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال: هو الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
وقال إبراهيم النخعي: الغناء ينبت النفاق في القلب، وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف. وقيل: الغناء رُقيةُ الزنا. وقال ابن جريج: هو الطبل وعن الضحاك قال: هو الشرك. وقال قتادة: هو كل لهو ولعب. {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: يفعله عن جهل. قال قتادة: بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.
قوله تعالى: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} أي: يتخذ آيات الله هزوًا. قرأ حمزة، والكسائي، وحفص، ويعقوب: {وَيَتَّخِذَهَا} بنصب الدال عطفًا على قوله: {ليضل}، وقرأ الآخرون بالرفع نسقًا على قوله: {يشتري}. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}.


{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} {خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} حسن.


{هَذَا} يعني الذي ذكرت مما تعاينون، {خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} من آلهتكم التي تعبدونها، {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} يعني: العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور. قال محمد بن إسحاق: وهو لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر. وقال وهب: كان ابن أخت أيوب، وقال مقاتل: ذكر أنه كان ابن خالة أيوب. قال الواقدي: كان قاضيًا في بني إسرائيل.
واتفق العلماء على أنه كان حكيمًا، ولم يكن نبيًا، إلا عكرمة فإنه قال: كان لقمان نبيًا. وتفَّرد بهذا القول. وقال بعضهم: خيّر لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة. وروي أنه كان نائمًا نصف النهار فنُودي: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت فقال: إن خيرني ربي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعًا وطاعة، فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لِمَ يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاها الظلم من كل مكان أن يعدل فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفًا، ومن يخير الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فأعطي الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها، ثم نُودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان، فهوى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو الله عنه، وكان لقمان يؤازره بحكمته. وعن خالد الربعي قال: كان لقمان عبدًا حبشيًا نجارًا. وقال سعيد بن المسيب: كان خياطًا. وقيل: كان راعي غنم. فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال: ألست فلانًا الراعي فبِمَ بلغتَ ما بلغت؟ قال: بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني. وقال مجاهد: كان عبدًا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين. قوله عز وجل: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

1 | 2 | 3 | 4